روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | تعاليم الإسلام.. وتقاليد الغرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > تعاليم الإسلام.. وتقاليد الغرب


  تعاليم الإسلام.. وتقاليد الغرب
     عدد مرات المشاهدة: 2584        عدد مرات الإرسال: 0

اختلاط الإسلام بالفلسفات الغربية: عندما يختلط الإسلام بالأفكار الغريبة عنه -سواء من الغرب أو من الشرق- ولو كانت من أفكار الفلاسفة، وكبار الحكماء.

كما يدعون -سواء في التاريخ وفي الواقع- فإنه يتميع الحق، ويضطرب الناس، فلا يفرقون بين معروف ومنكر، ولا بين حق وباطل، ولا بين صدق وكذب.

ومن الأمثلة على ذلك: دخول المناهج الفلسفية اليونانية إلى الإسلام عندما تمَّت ترجمة كتب الفلاسفة اليونان إلى العربيّة.

فظهرت فرق المعتزلة والمعطلة والجهمية وغيرها، وظهرت تفريعات كثيرة في العقيدة صعَّبت فهمها جدًّا حتى على بعض العلماء.

كما فتحت أبواب مسائل ما فتحها رسول اللهنفسه، وفُتن المسلمون بفتن ضخمة مثل فتنة الادعاء بخلق القرآن أو أين الجنة، أو غير ذلك من المسائل.

هذه الفتن ضيعت على المؤمنين وقتًا طويلاً.

- وشغلت المؤمنين بأنفسهم، فحدث الصراع والجدال والقتال بين المؤمنين.

- كما عطَّلت الجهاد، وأضعفت شوكة المسلمين.

- بل أخرجت بعض المتكلمين من الدين بالكلية.

كل هذا نتيجة خلط بعض المسلمين لأصول الرسالة بغيرها من الأصول، فضاع نقاء الرسالة لولا جهود العلماء المخلصين.

وبالتالي -كما وضحنا سابقًا- فإن نزول الرسالة في مكة كان يوفر عليها كل هذا الخلط، خاصةً وهي ما زالت في مهدها.

والدرس واضح للمسلمين: أن يحافظوا على نقاء رسالة الإسلام، فنحن لا نحتاج أي مصدر آخر للتشريع غير القرآن والسنة: "تَرَكْتُ فِيكُمُ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّتِي".

الاختلاط بين تعاليم الإسلام وتقاليد الغرب:

إذا نظرنا في واقعنا المعاصر، نجد أنه قد حدث اختلاط كبير بين تقاليد الغرب، وتعاليم الإسلام في نفوس الناس، حيث يتميع الحقُّ، وتضيع الحقائق، ويختفي المقياس الصحيح من حياة المؤمنين.

- ففي الغرب يعتبرون الفتاة التي تبلغ ثم تظل بعد ذلك عذراء يعتبرونها هناك فتاة غير طبيعية؛ لأنها ما زالت عذراء.

إذا كان هذا هو المقياس فسيعتبر الاختلاط البشع الذي نراه بين الشباب والشابات فضيلةً من الفضائل ما دامت الفتاة ظلّت عذراء.

وقد يتطور الأمر للزواج العُرفي، وهم بمقاييسهم الجديدة المحرفة يعتبرون أنفسهم يراعون حرمة اللهبكتابة مثل هذه الوريقة التافهة. اختلطت المفاهيم، وضاع نقاء الرسالة.

- انظر إلى قصّات الشعر عند الشباب، تجد الشاب يقص شعره على طريقة الشرق والغرب، وتظهر قصات نهى الشرع عنها، مثل قصة القزع مثلاً، يقُصُّ جزءًا ويترك الباقي، والشاب قد لا يدرك أنه يرتكب محرمًا، لماذا؟ اختلطت المفاهيم، ولم يحافظ على نقاء الرسالة.

- انظر إلى ملابس الفتيات (مجازًا طبعًا، فالمفروض ألا تنظر) لقد أصبح هناك تعريف جديد للاحتشام، وضاع المقياس الإسلامي.

ستشاهد ملابس تتعجب من نزول الفتاة بها من بيتها أمام أبيها أو أخيها أو زوجها دون أن ينكروا عليها، بل قد يمدحونها ويبدون إعجابهم، فإذا حدثتهم قالوا: الحمد لله إنها أحسن من كثيرات غيرها.

- من المسلمين من يحتفل بالكريسماس ورأس السنة أكثر من احتفاله بعيد الفطر أو الأضحى.

- من المسلمين من يعتقد أن من الصواب أن يدع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.

- من المسلمين من يعتمد في تفسيره للتاريخ الإسلامي على اليهود والنصارى.

- من المسلمين من ينكر الشفاعة، ويرد المتواتر من الحديث، ويستهين بالبخاري ومسلم.

- من المسلمين من يقول: الحج شيء جميل ولكنه زحام شديد، فلماذا لا نجعل الحج كل عام في مكان مختلف؟

أو في عدة أماكن في الوقت نفسه ليقل الزحام؟ أو لماذا لا نجعل الحج طوال العام؟

إنه يُعْمِل عقله في العبادات كما علموه، وهو قد رأى أساتذته من اليهود والنصارى يغيرون ويحرفون في دينهم كما يريدون ولم يحدث شيء، فلماذا لا يفعل مثلهم؟

إنه اختلاط في المفاهيم، واضطراب في المقاييس.

إن نزول الرسالة في مكة، حيث تعتبر معزولة نسبيًّا عن الأفكار الفلسفية، والقوانين المادية، والعقائد النظرية الغربية، حافظ على نقاء الرسالة.

وحافظ على تكوين الصحابة تكوينًا إسلاميًّا خالصًا، وهذا درس واضح غاية الوضوح: الجيل الذي يستطيع أن يحمل الأمانة الإسلاميّة هو جيل يوحد مصدر تلقيه، فيجعله القرآن والسنة، ولا يخلطه بأفكار الأرض، شرقية كانت أم غربية.

إذن ما سبق يوضح لماذا نزلت الرسالة في بلد ليس له تاريخ ثقافي معلوم، أو ذكريات فلسفية.

التشريع الإسلامي:

كما نلاحظ أيضًا أن نزول الرسالة في بلد ليس له تاريخ تشريعي يذكر وَضّح المعجزة الإلهية في التشريع الإسلامي.

من المستحيل أن تفهم كيف خرج هذا التشريع المتكامل الشامل المفصل في هذه البيئة البدوية البسيطة منعدمة التاريخ، إلا إذا كانت هناك قوة فوق قوة البشر هي التي فعلت ذلك، وتلك هي قوة الله.

التشريع الإسلامي تشريع عجيب فهو يعالج كل جزئية -مهما صغرت- من جزئيات الحياة، ليس في العقيدة والعبادة فقط، ولكن في كل أمور تسيير الحياة، وعمارة الأرض وسيادة الدنيا.

- قوانين متكاملة في السياسة.

- قوانين متكاملة في القضاء.

- قوانين متكاملة في المعاملات.

- قوانين متكاملة في التجارة والاقتصاد.

- قوانين متكاملة في إدارة البيت وتربية الأولاد.

- كيف تحارب وكيف تسالم، وكيف تتزوج، بل كيف ترفّه عن نفسك؟

بل الدخول في أدقِّ التفاصيل بلا خطأ ولا ثغرة ولا عيب ولا قصور.

صنع من هذا؟ {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].

إن نزول الرسالة في مكة بهذا التكامل العجيب كان إعجازًا لا ينكر، ودليلاً لا يقاوم على إلهية هذا التشريع، وربّانية هذا المنهج.

إذن كان نقاء الرسالة بنزولها في مكانٍ ليس به تشريعات كثيرة معقدة سببًا في نقاء التكوين عند الصحابة، وصحة الطريق بلا ضلال ولا غموض.

فقد كان يحمي الإسلام من الانحراف والتخبط، وفي الوقت ذاته كان دليلاً معجزًا على أن هذا التشريع من عند الله.

وهذه هي الحكمة الأولى من نزول التشريع الإسلامي في هذه البيئة البدوية البسيطة، وهي المحافظة على نقاء الرسالة ووحدة المصدر.

ولو أردنا أن نعيد الأمة الإسلاميّة إلى سابق عهدها من القوة والتمكين، فعلينا ألاَّ نخلط بالقرآن والسُنَّة أي مصدر آخر.

وهذا ليس اجتهادًا منَّا، بل أمر رب العالمين: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام